من خسائر صامتة إلى أرباح عابرة للحدود… كيف تبني تسعيرًا دوليًا ذكيًا؟

من خسائر صامتة إلى أرباح عابرة للحدود… كيف تبني تسعيرًا دوليًا ذكيًا؟

 تجارة بلا حدود

عندما يصبح "السعر الموحد" خطيئة تجارية مميتة

هل تساءلت يوماً “لماذا تسعّر شركة برمجيات عالمية (SaaS) خطتها في سوق مرتفع الدخل بسعر أعلى، بينما تقدم نفس الخطة بسعر أقل في سوق ناشئ مراعاةً للقوة الشرائية؟” أم استغلال للسويسريين؟

رجل أعمال ينظر إلى خريطة العالم مع رموز عملات مختلفة تعبر عن التسعير الدولي
رجل أعمال ينظر إلى خريطة العالم مع رموز عملات مختلفة تعبر عن التسعير الدولي

الحقيقة هي لا هذا ولا ذاك، بل هو تطبيق بارع لذكاء تسعيري حاد يدرك أن العالم ليس سوقاً واحداً.

تخيل الآن قصة "خالد"، صاحب متجر إلكتروني ناجح للتمور الفاخرة في السعودية.

قرر خالد التوسع وبيع منتجاته في بريطانيا وماليزيا، وفي لحظة حماس كما توضح مدونة نمو1، قام بالخطأ الأكثر شيوعاً: "الترجمة الحرفية للسعر".

 حول سعره المحلي (100 ريال) إلى الجنيه الإسترليني والرينغيت الماليزي، وأطلق حملاته الإعلانية.

في بريطانيا، فشل المنتج لأنه بدا "رخيصاً جداً" ومثيراً للشك بالنسبة لسلعة تُقدم على أنها فاخرة، مما أضر بصورته الذهنية.

 وفي ماليزيا، فشل أيضاً لأنه كان "باهظ الثمن" مقارنة بالبدائل المحلية والفواكه الاستوائية المتوفرة.

 خسر خالد الآلاف، ليس لأن منتجه سيئ، بل لأنه تعامل مع خريطة العالم الاقتصادية والنفسية وكأنها صفحة بيضاء مسطحة.

أ/  الاستراتيجية.. لماذا يجب أن يكون السعر "حرباء" متلونة؟

الخطوة الأولى للنجاح العالمي هي هدم خرافة "السعر العادل الموحد".

 في التجارة الدولية، العدالة ليست في توحيد الرقم النهائي، بل في توحيد "قيمة الجهد الشرائي" الذي يبذله العميل.

 الاستراتيجية الذهبية التي بنت عليها شركات مثل مايكروسوفت وأبل ونتفليكس إمبراطورياتها تسمى "التسعير القائم على تعادل القوة الشرائية" (Purchasing Power Parity - PPP).  

هذه الاستراتيجية تعني أنك تعدل سعرك بحيث يتطلب من العميل في فيتنام نفس "الجهد" (مثلاً: عدد ساعات العمل) الذي يبذله العميل في ألمانيا لشراء منتجك، حتى لو اختلفت الأرقام النهائية بشكل جذري.

ما لا يخبرك به أحد هو أن السعر هو أول وأقوى رسالة تسويقية يقرؤها العميل، وهو الذي يحدد موقعك في ذهنه (Positioning) فوراً.

في الأسواق الغنية (High-Income Markets): مثل دول الخليج، أوروبا الغربية، أمريكا الشمالية، وأستراليا، السعر المرتفع غالباً ما يُفسر على أنه دليل "جودة عالية، فخامة، وتميز".

 إذا دخلت هذه الأسواق بسعر منخفض جداً منافساً للمنتجات الصينية العامة، قد تخسر الشريحة التي تبحث عن التميز وتكون مستعدة للدفع مقابلها، وستجد نفسك في "حرب أسعار" دموية لا يمكنك الفوز بها.

في الأسواق الناشئة (Emerging Markets): مثل شمال أفريقيا، الهند، باكستان، وجنوب شرق آسيا، السعر هو العامل الحاسم الأول. المستهلك هنا حساس جداً للسعر، وأي زيادة طفيفة قد تخرجك من المنافسة تماماً.

 القيمة هنا تعني "الكثير مقابل القليل".

الاستراتيجية الثانية هي "التسعير النفسي الثقافي" (Cultural Psycho-Pricing). الأرقام ليست مجرد أرقام، بل هي رموز تحمل دلالات ثقافية عميقة:

رمزية الأرقام: في الصين، الرقم 8 يعني الثروة والحظ السعيد، ولذلك ترى أسعاراً مثل 888 دولاراً.

 أما الرقم 4، فيشبه نطقه كلمة "موت"، ولذلك يتم تجنبه تماماً.

سيكولوجية النهايات: في الثقافة الغربية، الأسعار المنتهية بـ .99 (مثل 9.99$) توحي بصفقة وتخفيض  (Charm Pricing) .
 بينما الأسعار المنتهية بأرقام كاملة (مثل 10.00$) توحي بالجودة العالية والفخامة  (Prestige Pricing) .
 عليك أن تقرر: هل تريد أن تبدو كـ "صفقة" أم كـ "استثمار"؟

مفهوم "العدالة": في بعض الثقافات، قد يُنظر إلى التسعير المتغير على أنه "تمييز"، ولذلك تحتاج إلى تبرير منطقي له (مثلاً، نسخة محلية من البرنامج بلغة البلد أو دعم فني محلي).

عليك أن تدرك أن استراتيجيات التسعير ليست مجرد عملية حسابية لتغطية التكلفة زائد الربح (Cost-Plus Pricing)، وهي استراتيجية الهواة. بل هي عملية استراتيجية معقدة لتعظيم "القيمة المدركة" (Perceived Value) في عيون كل شريحة.

 في بعض الأسواق، قد تضطر للبيع بهامش ربح منخفض جداً أو حتى بخسارة محسوبة في البداية لاكتساب حصة سوقية (Penetration Pricing)، بينما تعوض ذلك في أسواق أخرى بهوامش ربح مرتفعة جداً لتعظيم الأرباح من العملاء الأثرياء  (Price Skimming) .
 هذه المرونة الاستراتيجية هي التي تبني الإمبراطوريات التجارية العابرة للحدود.

ب/  التنفيذ.. كيف تبني هيكل تسعير مرن كالمطاط؟

التنفيذ العملي للتسعير الدولي يتطلب منك التخلي عن الجداول الثابتة والأسعار المحفورة في الصخر، والبدء في بناء "خوارزمية تسعير" خاصة بك تتفاعل مع المتغيرات العالمية.

 هذه العملية تتم عبر ثلاث مراحل رئيسية ومنطقية: البحث الاستخباراتي، الهيكلة الجغرافية، والأتمتة التقنية.

المرحلة الأولى: البحث الاستخباراتي (Market Intelligence)

لا تسعر وأنت معصوب العينين. قبل دخول أي سوق جديد، يجب أن تقوم بواجبك المنزلي وتجمع البيانات.

تحليل المنافسين المحليين: استخدم VPN لتغيير موقعك الجغرافي وادخل إلى المتاجر الإلكترونية المحلية في البلد المستهدف.

ما أسعار المنتجات المماثلة؟

 ما هي العروض التي يقدمونها؟

 لا تقارن نفسك بالمنافسين العالميين فقط، بل بالمنافسين المحليين الذين يفهمون السوق أفضل منك.

فهم القوة الشرائية: استخدم أدوات بسيطة ومجانية لتقييم القوة الشرائية.

"مؤشر البيج ماك" (Big Mac Index) الذي تصدره "الإيكونوميست" هو أداة سريعة وممتازة لمعرفة ما إذا كانت عملة البلد مقومة بأقل أو أكثر من قيمتها الحقيقية مقارنة بالدولار، وبالتالي يمكنك تحديد سعرك المبدئي.

أيضاً، انظر لمتوسط الدخل الشهري في تلك الدولة.

 قاعدة جيدة هي ألا يتجاوز سعر منتجك (خاصة الرقمي) 1-2% من متوسط الدخل الشهري إذا كنت تستهدف شريحة واسعة.

مثال عربي واقعي: شركة برمجيات أردنية (SaaS) أرادت بيع نظامها المحاسبي في مصر والسعودية.

بحث بسيط أظهر أن متوسط راتب المحاسب في مصر يعادل 400 دولار شهرياً، بينما في السعودية يعادل 2000 دولار.

 لو وحدوا سعر الاشتراك السنوي على 300 دولار، لكان مستحيلاً على المحاسب المصري، بينما يبدو رخيصاً جداً للشركة السعودية.

اقرأ ايضا: من محتوى عربي بسيط إلى مبيعات عالمية… كيف تحوّل جمهورك المحلي إلى أرباح دولية؟

 فقرروا تسعيره في مصر بـ 120 دولاراً سنوياً، وفي السعودية بـ 600 دولار سنوياً، فنجحوا في كلا السوقين.

المرحولة الثانية: تسعير "المناطق" لا "الدول" (Zone Pricing)

إدارة 190 سعر مختلف لـ 190 دولة أمر مستحيل لوجستياً. الحل هو تجميع الدول في "مناطق تسعير" (Pricing Zones) بناءً على تشابهها الاقتصادي والثقافي.

المنطقة A (الأسواق الفاخرة - Tier 1): تشمل أمريكا الشمالية، أوروبا الغربية، دول الخليج، اليابان، أستراليا.

(استراتيجية: السعر الكامل + هامش الفخامة).

المنطقة B (الأسواق المتوسطة - Tier 2): تشمل شرق أوروبا، تركيا، البرازيل، المكسيك، ماليزيا.

(استراتيجية: خصم 30-50% من السعر العالمي عبر كوبونات أو أسعار محلية).

المنطقة C (الأسواق النامية - Tier 3): تشمل معظم دول أفريقيا، الهند، باكستان، فيتنام.

(استراتيجية: خصم كبير يصل إلى 70-80%، أو طرح نسخة "لايت" من المنتج بمواصفات أقل وسعر منخفض جداً، أو حتى نموذج "ادفع ما تستطيع").

مثال: شركات الألعاب الرقمية مثل Steam تبيع اللعبة الجديدة بـ 60 دولاراً في أمريكا، بينما قد تبيعها بـ 15 دولاراً في تركيا والأرجنتين، لأنها تدرك أن بيع 100 ألف نسخة بـ 15 دولاراً أفضل من عدم بيع أي شيء بـ 60 دولاراً.

المرحلة الثالثة: توطين العملة وطرق الدفع (Full Localization)

العميل يثق بالعملة التي يقبض راتبه بها ويفكر بها.

عرض السعر بالدولار في سوق لا يستخدم الدولار يضيف "احتكاكاً ذهنياً" (Mental Friction) للعميل، ويجعله يتردد خوفاً من رسوم التحويل البنكي وسعر الصرف المجهول.

نصيحة عملية: استخدم بوابات دفع أو منصات تجارة إلكترونية تدعم "العرض الديناميكي بالعملة المحلية" (Multi-currency Geo-targeted Display) إذا دخل زائر من الكويت، يجب أن يرى السعر بالدينار الكويتي فوراً.

هذا الإجراء البسيط يرفع معدل التحويل (Conversion Rate) بنسبة تصل لـ 30%.

توطين طرق الدفع: في ألمانيا، الكثير يفضلون الدفع عبر التحويل البنكي المباشر. في مصر، "فوري" هي الملك.

في البرازيل، "PIX" هو السائد. عدم توفير طريقة الدفع المحلية المفضلة هو بمثابة إغلاق باب متجرك في وجه العميل.

ج/ : أدوات وأمثلة.. التكنولوجيا التي تسعر نيابة عنك

لحسن الحظ، لم نعد في عصر "الإكسل" اليدوي والجداول المعقدة.

هناك أدوات ذكية وتقنيات متقدمة تقوم بمعظم مهام التسعير الدولي الشاقة بلمح البصر، وتوفر عليك جيشاً من المحاسبين والمحللين.

أدوات كشف الموقع الجغرافي (Geo-IP Tools & Redirects):

هذه الأدوات هي بوابتك الأولى ونقطة الانطلاق.

هي التي تخبر موقعك أو متجرك: "انتبه، هذا الزائر قادم من الرياض" أو "هذا الزائر يتصفح من لندن".

كيف تعمل؟ عبر تحديد عنوان IP الخاص بالزائر، يمكن لهذه الأدوات تفعيل قواعد معينة.

أمثلة: العديد من تطبيقات شوبيفاي (مثل 'Geolocation') أو إضافات ووردبريس/ووكومرس (مثل 'Price Based on Country') تقوم بهذه المهمة.

 بمجرد تفعيلها، يمكنك توجيه الزائر لنسخة المتجر المخصصة لبلده (مثلاً: example.com/sa)، أو تغيير السعر والعملة تلقائياً في نفس الصفحة التي يتصفحها.

بوابات الدفع العالمية (Merchant of Record - MoR):

هذه ليست مجرد بوابات دفع، بل هي شريكك القانوني والمالي العالمي.

 أدوات مثل (Paddle, FastSpring, Lemon Squeezy) تقوم بأكثر من مجرد معالجة بطاقة الائتمان؛

هي التي "تبيع" المنتج نيابة عنك للعميل النهائي، ثم تدفع لك الأرباح.

لماذا هي مهمة؟

 لأنها تتكفل لك بكابوس "الضرائب الدولية".

هل تعلم أن بيع منتج رقمي لعميل في الاتحاد الأوروبي يتطلب منك تحصيل ضريبة القيمة المضافة (VAT) بالنسبة الصحيحة لبلده (تختلف من 17% إلى 27%) ثم توريدها لحكومته؟

 هذا كابوس إداري. الـ MoR يقوم بكل هذا تلقائياً.

مثال عربي واقعي: رائد أعمال يبيع دورات تدريبية على منصته الخاصة واجه مشكلة في تحصيل الضرائب من عملاء في كندا وأوروبا.

 بدلاً من توظيف محاسب دولي باهظ الثمن، انتقل لاستخدام منصة "Paddle" التي تتكفل تلقائياً بإضافة الضريبة الصحيحة لكل دولة فوق السعر الأساسي، وتصدر الفواتير المتوافقة مع قوانين البلد، وتورد الضرائب للحكومات نيابة عنه.

هذا حمى هامش ربحه، وجنبه المخاطر القانونية، ومنحه راحة بال لا تقدر بثمن.

في مدونة نمو، نركز دائماً على أن الأداة هي خادم وليست سيداً.

 أفضل أداة هي تلك التي تعطيك بيانات واضحة لاتخاذ القرار.

 أدوات متقدمة مثل (PriceIntelligently) تقوم بعمل استبيانات لعملائك المحتملين في كل سوق لتحديد "حساسية السعر" و "السعر المثالي" الذي يحقق أعلى ربح.

الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) وأدوات مقارنة الأسعار:

لا تعتمد فقط على البرمجيات، بل كن أنت "المتسوق السري".

استخدم خدمة VPN لتغيير موقعك الافتراضي لكل سوق من أسواقك المستهدفة، ثم ابحث عن منتجك ومنتجات المنافسين.

هل تظهر في الصفحة الأولى؟ هل سعرك منطقي بجانبهم؟

كيف تبدو تجربة الشراء كاملة؟

 هذا يمنحك نظرة حقيقية لا تقدر بثمن.

د/  أخطاء شائعة.. فخاخ تبتلع الأرباح الدولية

دخول الأسواق العالمية يشبه السير في حقل ألغام؛

خطوة واحدة خاطئة قد تكون مكلفة جداً، ليس فقط مالياً بل أيضاً بسمعتك التجارية.

 إليك أشهر الأخطاء القاتلة التي يقع فيها التجار العرب عند تسعير المنتجات للتصدير، وكيف تتجنبها بذكاء.

خطأ 1: تجاهل الرسوم الخفية (The Landed Cost Trap)

هذا هو الخطأ رقم واحد.

الكثير يسعر منتجه المادي بناءً على معادلة ساذجة (تكلفة الإنتاج + الشحن + الربح)، وينسى تماماً الجمارك، والضرائب المحلية (GST/VAT)، ورسوم التخليص الجمركي، ورسوم تحويل العملة.

 هذه التكاليف مجتمعة قد تصل إلى 50-100% من قيمة المنتج في بعض الدول (مثل البرازيل ومصر).

مثال كارثي: تاجر ملابس باع قميصاً لعميل في البرازيل بـ 50 دولاراً (شاملاً الشحن).

عند وصول الشحنة، طالبت الجمارك البرازيلية العميل بدفع 30 دولاراً إضافية كرسوم وضرائب.

العميل، الذي لم يكن يتوقع هذا المبلغ، رفض استلام الشحنة.

 النتيجة؟

 عاد المنتج للتاجر، فخسر تكلفة الشحن ذهاباً وإياباً، وخسر العميل، وحصل على مراجعة سلبية من نجمة واحدة تقول "نصاب!".

نصيحة عملية: استخدم حاسبات "التكلفة الواصلة" (Landed Cost Calculator) المتاحة أونلاين أو من شركات الشحن مثل DHL و Aramex. أمامك خياران: إما أن تدفع كل شيء مسبقاً (نظام DDP - Delivered Duty Paid) وتضيف هذه التكلفة للسعر النهائي، أو توضح للعميل بشكل بارز جداً وبخط عريض قبل الدفع أنه مسؤول عن أي رسوم جمركية محلية، لتتجنب الصدمات والمشاكل.

خطأ 2: التثبيت الصارم للأسعار وتقلبات العملة (Rigid Pricing & Currency Fluctuations)

تثبيت السعر بعملة بلدك (مثل الريال السعودي) وترك العميل يتحمل تقلبات الصرف هو خطأ فادح.

إذا ارتفعت عملتك بنسبة 20%، سيصبح منتجك فجأة أغلى بنسبة 20% للمشترين الدوليين دون أن تغير سعرك، فتخسر تنافسيتك فوراً.

مثال تاريخي: عندما ارتفع الفرنك السويسري بقوة، عانت شركات الساعات السويسرية لأن ساعاتها أصبحت باهظة الثمن فجأة للأسواق العالمية، مما أعطى فرصة للمنافسين اليابانيين.

نصيحة عملية: راجع أسعارك الدولية كل ربع سنة على الأقل  (Quarterly Pricing Review) .
 كن مرناً وعدل السعر للحفاظ على تنافسيتك، حتى لو اضطررت لتقليل هامش الربح مؤقتاً في سوق معين للحفاظ على الحصة السوقية. استخدم أدوات التحوط المالي (Hedging) إذا كانت مبيعاتك ضخمة للحماية من تقلبات العملة.

أسئلة يطرحها القرّاء

في سياق المنافسة العالمية، يردنا سؤال ذكي: "هل يجب أن أخفي أسعاري المحلية عن العملاء الدوليين؟"

 الجواب: نعم، قدر الإمكان وبشكل احترافي.

 في عصر الإنترنت، قد يستخدم عميل ذكي VPN ليرى سعرك الرخيص في بلدك ويشتري به ويشحنه عبر طرف ثالث.

 الحل ليس في الخداع، بل في "ربط السعر بشروط الاستخدام".

 يمكنك تفعيل تقنية التسعير بناءً على (IP) كما ذكرنا، ووضع شرط واضح في سياسة الشحن يمنع شحن المنتجات المشتراة بالسعر المحلي إلى عناوين دولية.
سؤال آخر: "هل التخفيضات الكبيرة تضر علامتي التجارية الفاخرة عالمياً؟"

 نعم، إذا كانت تخفيضاً على السعر الأصلي. الحل الأذكى هو استخدام "كوبونات خصم حصرية" أو "عروض خاصة" لأسواق معينة. الكوبون يوحي بفرصة مؤقتة وميزة حصرية، بينما خفض السعر الأصلي يوحي بقيمة منخفضة دائمة ويضعف صورة العلامة التجارية.

خطأ 3: النسخ واللصق التسويقي (Cultural Blindness)

افتراض أن الرسالة التسويقية أو مواسم التخفيضات عالمية هو سذاجة قد تقتلك.

 "الجمعة البيضاء" مهمة في منطقتنا، لكن في الصين "يوم العزاب 11.11" هو الأهم. في أمريكا، موسم "العودة للمدارس" و"الكريسماس" هما ذروة المبيعات.

نصيحة عملية: صمم "تقويم تسعيري وترويجي" (Pricing & Promo Calendar) خاص بكل سوق.

لا تعمل تخفيضات رمضان في سوق ياباني، ولا تعمل تخفيضات الكريسماس في سوق لا يحتفل به.

 اربط سعرك بالمناسبات المحلية للعميل (مثل عيد ديوالي في الهند) لزيادة الارتباط العاطفي والمبيعات.

هـ/  قياس النتائج.. لوحة تحكم القائد الدولي

التسعير ليس قراراً تتخذه مرة واحدة وتنساه، بل هو عملية تجريب وتحسين مستمرة (Continuous Optimization & A/B Testing) لكي تتأكد من أن استراتيجيات التسعير الدولي المعقدة تعمل لصالحك ولا تسبب لك الخسائر، يجب أن تراقب هذه المؤشرات الرئيسية (KPIs) بدقة وعن كثب.

هامش الربح الصافي لكل منطقة (Net Margin by Zone):

لا تنظر للربح الإجمالي فقط، فهو رقم خادع.

 قد تجد أنك تبيع بملايين الدولارات في أوروبا، لكن بعد خصم تكاليف الشحن المرتفعة، والضرائب الأوروبية، وتكلفة الإعلانات الباهظة، يكون صافي الربح ضئيلاً جداً أو حتى سلبياً.

 بينما قد تبيع بمبلغ أقل في دول الخليج، ولكن بربحية صافية ضخمة بسبب انخفاض الضرائب وقرب المسافة.

هذا المؤشر يخبرك أين تركز جهودك الإعلانية ومواردك لتحقيق أقصى ربح، وليس فقط أعلى إيراد.

معدل "ترك السلة" حسب الدولة (Cart Abandonment Rate by Country):

هذا هو "مقياس حرارة" تجربة العميل.

 إذا لاحظت في تحليلات متجرك أن العملاء في "كندا" يضيفون المنتج للسلة ثم يهربون عند صفحة الدفع بنسبة عالية جداً (مثلاً 70%)، فهذا جرس إنذار أحمر.

 غالباً ما يكون السبب هو ظهور "رسوم شحن مفاجئة" أو "ضرائب غير متوقعة" أو "عدم توفر عملة محلية" أو "عدم وجود طريقة دفع يثقون بها".

استخدم أدوات تسجيل الجلسات (مثل Hotjar) لمشاهدة ما يفعله هؤلاء العملاء بالضبط، وسد الثغرة فوراً.

مرونة الطلب السعرية (Price Elasticity of Demand):

هذا مفهوم اقتصادي متقدم، لكن يمكن تطبيقه ببساطة.

 جرب رفع السعر بنسبة 5% في سوق معين (مثل أستراليا) وراقب المبيعات لمدة أسبوعين.

الحالة الأولى: إذا انخفضت المبيعات بشكل حاد، فهذا سوق "مرن" وحساس جداً للسعر، ويجب أن تكون حذراً جداً في التسعير فيه.

الحالة الثانية: إذا بقيت المبيعات ثابتة تقريباً أو انخفضت بشكل طفيف، فهنيئاً لك!

 هذا سوق "غير مرن"، ويعني أنك كنت تبيع بأقل من القيمة المدركة، ويمكنك رفع السعر أكثر لزيادة الأرباح دون أي جهد إضافي.

الحصة السوقية الرقمية (Digital Shelf Share):

في كل سوق، راقب ترتيب ظهورك في كلمات البحث الرئيسية على جوجل وأمازون المحلي.

هل سعرك الجديد ساعدك في الظهور أكثر؟

 هل حصلت على شارة "الأفضل مبيعاً" في فئتك؟

 النجاح الحقيقي هو أن تسيطر على "الشريحة السعرية" التي تستهدفها، سواء كانت الاقتصادية أو الفاخرة، في كل سوق تدخله.

 هذا هو المؤشر على أنك لست مجرد "بائع"، بل أصبحت "علامة تجارية" لها مكانتها.

و/ وفي الختام:

في ختام هذه الرحلة المعقدة والممتعة حول العالم، تذكر أن التسعير الدولي هو مزيج دقيق من "العلم والفن".

العلم يكمن في الأرقام والبيانات والمؤشرات الاقتصادية، والفن يكمن في فهم النفسية البشرية والثقافات المتنوعة للشعوب، وفي القدرة على رواية قصة منتجك بسعر يناسب كل أذن.

لا يوجد "سعر مثالي" واحد يدوم للأبد، بل يوجد "سعر ذكي" يتكيف مع اللحظة والمكان والزمان.

العالم اليوم مليء بالفرص لمن يجرؤ على كسر الحدود الجغرافية، لكنه في نفس الوقت لا يرحم الكسالى الذين يتجاهلون الفروقات بين الأسواق.

ابدأ اليوم بمراجعة أسعارك الحالية؛ هل هي أرقام صماء، أم استراتيجيات ذكية؟

 اختر سوقاً واحداً واعداً، طبق عليه مبدأ "القوة الشرائية"، ووفر له عملته المحلية وطريقة دفعه المفضلة، وراقب كيف ستتحول أرقام مبيعاتك من الأحمر إلى الأخضر.

 المال موجود في كل مكان على هذا الكوكب، المهم أن تعرف "اللغة السعرية" التي يتحدث بها كل سوق لتستخرجه بحكمة واحترافية.

اقرأ ايضا: لماذا يربح المسوقون العرب في أوروبا أكثر من المسوقين الأوروبيين أنفسهم؟

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة . 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال