مدونة نمو1

مرحبًا بكم في نمو1، مدونة عربية متخصصه في التجارة الإلكترونية، والعمل عبر الإنترنت والمشاريع التجارية.

تكنولوجيا التأمين (InsurTech): إعادة صياغة الربحية في إطار متوافق مع الشريعة الإسلامية

تكنولوجيا التأمين (InsurTech): إعادة صياغة الربحية في إطار متوافق مع الشريعة الإسلامية

تقنيات تدر دخلاً:

 إعادة تشكيل صناعة التأمين - ثورة الـ InsurTech الرقمية:

يشهد قطاع التأمين العالمي، الذي ظل راسخًا في نماذجه التقليدية لقرون، تحولًا جذريًا لا رجعة فيه. لم تعد الإجراءات الورقية المطولة، وقنوات التوزيع المحدودة، والمنتجات الموحدة قادرة على مواكبة متطلبات العصر الرقمي أو تلبية توقعات جيل جديد من العملاء الذين اعتادوا على الخدمات الفورية والشخصية.

 في قلب هذه الثورة تقف "تكنولوجيا التأمين" أو ما يُعرف عالميًا بـ "InsurTech"، وهي ليست مجرد تحديث تقني، بل إعادة هيكلة جذرية لسلسلة القيمة بأكملها، من الاكتتاب وتقييم المخاطر إلى إدارة المطالبات وخدمة العملاء.  

تكنولوجيا التأمين (InsurTech): إعادة صياغة الربحية في إطار متوافق مع الشريعة الإسلامية
تكنولوجيا التأمين (InsurTech): إعادة صياغة الربحية في إطار متوافق مع الشريعة الإسلامية

أ/ المحركات التكنولوجية لثورة التأمين: من الذكاء الاصطناعي إلى العقود الذكية:

تكمن القوة الحقيقية لتكنولوجيا التأمين في قدرتها على دمج حزمة من التقنيات المتقدمة التي تعمل بشكل متناغم لإعادة تعريف كل مرحلة من مراحل عملية التأمين.

 لقد انتقل القطاع من الاعتماد على التحليلات الإحصائية التقليدية والعمليات اليدوية إلى منظومة ذكية تعتمد على البيانات اللحظية والقرارات المؤتمتة.  

الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning):

يمثل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة الدماغ المفكر لهذه الثورة، حيث يحولان البيانات الخام إلى رؤى قابلة للتنفيذ وقرارات دقيقة. تتجلى تطبيقاتهما في عدة محاور رئيسية:

  • الاكتتاب الآلي وتقييم المخاطر: تقليديًا، كانت عملية الاكتتاب تستغرق أيامًا أو أسابيع وتعتمد على حكم الخبراء البشريين.

اليوم، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل آلاف نقاط البيانات المتعلقة بالعميل - من تاريخه الائتماني إلى سلوكياته على وسائل التواصل الاجتماعي (ضمن الأطر القانونية) ، لتقييم درجة المخاطر بدقة فائقة وإصدار وثيقة تأمين مخصصة في غضون دقائق. هذا لا يسرّع العملية فحسب، بل يجعل التسعير أكثر عدالة وتخصيصًا.  

كشف الاحتيال والحد منه: يمثل الاحتيال تكلفة باهظة على شركات التأمين، والتي غالبًا ما يتم تمريرها إلى العملاء في شكل أقساط أعلى. تستخدم نماذج تعلم الآلة المتقدمة لتحليل بيانات المطالبات التاريخية وتحديد الأنماط الشاذة أو غير المتسقة التي قد تشير إلى محاولة احتيال، مما يمكّن الشركات من التحقيق فيها بفعالية ومنع خسائر مالية تقدر بالمليارات سنويًا.  

خدمة عملاء معززة وتفاعلية: أصبحت روبوتات المحادثة (Chatbots) والمساعدون الافتراضيون المدعومون بالذكاء الاصطناعي خط الدفاع الأول في خدمة العملاء.

كما يمكن لهذه الأدوات الرد على استفسارات العملاء الشائعة على مدار الساعة، وإرشادهم خلال عملية تقديم المطالبات، وجمع المعلومات الأولية، مما يحرر الموظفين البشريين للتركيز على الحالات الأكثر تعقيدًا التي تتطلب تفاعلًا إنسانيًا.  

البيانات الضخمة (Big Data) وإنترنت الأشياء (IoT):

إذا كان الذكاء الاصطناعي هو الدماغ، فإن البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء هما الجهاز العصبي الذي يجمع المعلومات من العالم الحقيقي. لقد أحدث هذا التدفق الهائل من البيانات تحولًا نموذجيًا في كيفية فهم وإدارة المخاطر:

التسعير الديناميكي المبني على السلوك: بفضل أجهزة إنترنت الأشياء، أصبح من الممكن تسعير التأمين بناءً على السلوك الفعلي للمستخدم.

اقرأ ايضا:البطاقات الافتراضية: كيف تستفيد من نمو هذا السوق وتقدم حلول دفع مبتكرة؟

كما تشمل الأمثلة أجهزة التيليماتكس في السيارات التي تراقب سرعة القيادة وأسلوب الكبح، والأجهزة الصحية القابلة للارتداء التي تتبع النشاط البدني ومؤشرات الصحة، والمستشعرات الذكية في المنازل التي تكتشف تسرب المياه أو مخاطر الحريق. هذا النموذج لا يجعل التسعير أكثر عدالة فحسب، بل يحفز العملاء على تبني سلوكيات أكثر أمانًا.  

الوقاية الاستباقية من المخاطر: يكمن التحول الأعمق الذي أحدثه التقاء إنترنت الأشياء مع الذكاء الاصطناعي في تغيير جوهر العلاقة بين شركة التأمين والعميل. فبدلاً من أن تكون العلاقة تفاعلية بحتة (دفع التعويض بعد وقوع الخسارة)، أصبحت استباقية.

كما يمكن لشركة التأمين الآن أن تنبه العميل إلى سلوك قيادة خطير، أو ترسل تحذيرًا بوجود تسرب مياه بسيط في منزله قبل أن يتحول إلى فيضان.

بهذا، تتحول شركة التأمين من مجرد "دافع للتعويضات" إلى "شريك استبarati في إدارة المخاطر". هذا التحول لا يقلل من حجم المطالبات ويزيد الربحية فحسب، بل يفتح أيضًا الباب أمام نماذج إيرادات جديدة قائمة على تقديم خدمات وقائية، مما يعزز ولاء العملاء ويخلق قيمة مضافة حقيقية.  

البلوك تشين (Blockchain) والعقود الذكية (Smart Contracts):

توفر تقنية البلوك تشين طبقة من الثقة والشفافية والأتمتة التي كانت تفتقر إليها الصناعة التقليدية، مما يعالج بعضًا من أكبر نقاط الضعف فيها:

 

ب/ نماذج أعمال مبتكرة: مفاتيح الربحية والوصول إلى أسواق جديدة:

لم يقتصر تأثير التكنولوجيا على تحسين العمليات القائمة، بل أدى إلى ولادة نماذج أعمال جديدة تمامًا تتحدى الهيكل التقليدي للتأمين وتفتح أسواقًا لم تكن مستهدفة من قبل، مما يعزز الربحية بشكل مباشر ومستدام. هذه النماذج تتمحور حول العميل، وتتميز بالمرونة والشفافية والوصول السهل.  

التأمين القائم على الاستخدام (UBI) والتأمين السلوكي:

يعتبر هذا النموذج ثورة في مفهوم العدالة التأمينية، حيث يربط أقساط التأمين مباشرة بسلوكيات المستخدم الفعلية بدلاً من الاعتماد على معايير ديموغرافية واسعة. في قطاع تأمين السيارات، على سبيل المثال، تقوم شركات مثل  

Root Insurance باستخدام بيانات مستشعرات الهواتف الذكية لتقييم أسلوب القيادة الفعلي، وتقديم أسعار تنافسية للسائقين الملتزمين والآمنين، بينما يتم استبعاد السائقين الخطرين.

هذا النهج لا يجذب فقط شريحة العملاء الأقل خطورة (وبالتالي الأكثر ربحية)، بل يحفز أيضًا على تحسين سلوكيات القيادة في المجتمع ككل.  

التأمين عند الطلب (On-Demand) والتأمين متناهي الصغر (Microinsurance)

لقد خلقت التكنولوجيا القدرة على "تجزئة" التأمين وتصميمه ليناسب احتياجات محددة وقصيرة الأجل. يتيح التأمين عند الطلب للمستخدمين شراء تغطية تأمينية لفترة زمنية محددة بضغطة زر عبر تطبيق على الهاتف، مثل تأمين كاميرا احترافية ليوم واحد من التصوير، أو تأمين على الأمتعة لساعات السفر فقط.

 من ناحية أخرى، يستهدف التأمين متناهي الصغر الشرائح السكانية ذات الدخل المحدود في الأسواق الناشئة، ويقدم تغطيات أساسية (مثل التأمين الصحي البسيط أو تأمين المحاصيل) بأقساط منخفضة جدًا.

كلا النموذجين يفتحان أسواقًا جديدة تمامًا كانت مهملة من قبل، ويخدمان بشكل خاص متطلبات اقتصاد الأعمال الحرة (Gig Economy) المتنامي.  

التأمين من نظير إلى نظير (Peer-to-Peer – P2P):

يعيد هذا النموذج التأمين إلى جذوره التعاونية. تقوم مجموعات صغيرة من الأفراد (غالبًا من الأصدقاء أو أصحاب الاهتمامات المشتركة) بتجميع أقساطهم في صندوق مشترك لتغطية المطالبات الصغيرة. في نهاية فترة التأمين، يتم إرجاع أي أموال متبقية في الصندوق إلى أعضاء المجموعة.   

ج/ التأمين التكافلي في العصر الرقمي: مواءمة الابتكار مع ضوابط الشريعة:

في سياق الأسواق الإسلامية، لا يمكن تبني الابتكار التكنولوجي بمعزل عن الإطار الأخلاقي والشرعي. وهنا تبرز الفرصة الأكبر: استخدام تكنولوجيا التأمين ليس فقط لتحقيق الربحية، بل لتكون المحفز الأكبر لتطور قطاع التأمين التكافلي، وتحقيق مقاصده بصورة لم تكن ممكنة من قبل.

جوهر التأمين التكافلي ومبادئه الشرعية:

يقوم التأمين التكافلي على نظام تعاقدي جماعي يهدف إلى تحقيق التعاون والتضامن بين مجموعة من المشتركين لمواجهة أخطار معينة.

 على عكس التأمين التجاري الذي يقوم على علاقة تبادلية بين شركة التأمين والمؤمن له، يقوم التكافل على مبدأ التبرع، حيث يساهم كل مشترك بمبلغ مالي في صندوق مشترك لتعويض من يتعرض للضرر من بينهم. الجوهر الأساسي هو تجنب المحاذير الشرعية الثلاثة الرئيسية في المعاملات المالية:  

  1. الربا (الفائدة): حيث يتم استثمار أموال صندوق المشتركين في أدوات استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
  2. الغرر (عدم اليقين المفرط): من خلال عقود واضحة ومحددة الشروط.
  3. الميسر (القمار): لأن العلاقة ليست مبنية على المضاربة على الخطر، بل على التكافل والتعاون لمواجهته.  

"TakafulTech"دمج التكنولوجيا لتعزيز المبادئ الشرعية:

إن تكنولوجيا التأمين لا تعمل فقط على "تحسين" التكافل، بل هي "تحقق" المبادئ المثالية للتكافل التي كانت تواجه صعوبات في التطبيق العملي على نطاق واسع.

إن الشفافية الكاملة، والتوزيع الفوري والعادل للفائض، وإدارة المخاطر الجماعية بكفاءة، كلها أصبحت ممكنة بفضل التكنولوجيا.

زيادة الشفافية والثقة: يمكن استخدام منصات رقمية وتكنولوجيا البلوك تشين لمنح كل مشترك وصولاً كاملاً وفوريًا إلى حسابات صندوق المشتركين.

 يمكنهم رؤية حجم الاشتراكات، وكيفية استثمارها، والمطالبات التي تم دفعها، والفائض المحقق. هذا يحقق مبدأ الشفافية والإفصاح بشكل مطلق، ويعزز الثقة التي هي أساس نجاح نموذج التكافل.  

كفاءة وعدالة في إدارة الصناديق: يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة، واختيار الأفضل أداءً.

 كما يمكن أتمتة عملية حساب الفائض التأميني وتوزيعه على المشتركين بدقة وعدالة، بناءً على معايير محددة مسبقًا، مما يزيل أي شكوك حول طريقة التوزيع.  

توسيع نطاق الوصول والشمول المالي: تتيح تطبيقات الهاتف المحمول سهلة الاستخدام تقديم منتجات التكافل، وخاصة التكافل متناهي الصغر، لشرائح واسعة من المجتمع لم تكن الخدمات المالية الإسلامية تصل إليها من قبل. آفاق المستقبل: استشراف الفرص ومواجهة التحديات في سوق InsurTech

بينما يرسم قطاع تكنولوجيا التأمين مسار نمو متسارع، فإن تحقيق إمكاناته الكاملة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، يتطلب نظرة استشرافية للفرص الواعدة واستعدادًا لمواجهة التحديات الكبيرة التي تلوح في الأفق.

الفرص المستقبلية الواعدة:

نمو السوق الإقليمي المدعوم برؤى وطنية: تشهد منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، تحولًا اقتصاديًا هائلاً مدفوعًا برؤى وطنية طموحة مثل "رؤية المملكة العربية السعودية 2030" و"رؤية الإمارات 2030"

كما تركز هذه الرؤى بشكل كبير على التحول الرقمي وتطوير قطاع الخدمات المالية، مما يخلق بيئة مثالية لنمو وازدهار شركات تكنولوجيا التأمين.  

الشراكات الإستراتيجية بين العمالقة والناشئين: تدرك شركات التأمين التقليدية الكبرى أنها بحاجة إلى الابتكار للبقاء في المنافسة، بينما تحتاج الشركات الناشئة إلى الوصول إلى قاعدة عملاء واسعة وخبرة اكتوارية.

هذا يخلق فرصة ذهبية للشراكات الإستراتيجية التي تجمع بين مرونة وابتكار الشركات الناشئة وقوة وموارد الشركات القائمة، مما يسرّع من وتيرة التحول الرقمي في الصناعة بأكملها.  

د/ وفي الختام: نحو منظومة تأمين ذكية، مربحة، وأكثر عدالة:

 يتضح أن تكنولوجيا التأمين (InsurTech) هي أكثر بكثير من مجرد مجموعة من الأدوات لزيادة الكفاءة وخفض التكاليف. إنها تمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة في قطاع حيوي، من خلال جعله أكثر تخصيصًا وشفافية وشمولية. لقد أثبتت هذه الثورة أن الربحية والنمو لا يتعارضان مع خدمة العميل بشكل أفضل، بل هما نتاج مباشر لذلك.

والأهم من ذلك، بالنسبة للعالم الإسلامي، فإن المبادئ التي تقود هذه الثورة  الشفافية، والعدالة، والتمحور حول العميل، وتقاسم المنافع  تتوافق بشكل مذهل مع روح ومقاصد الشريعة الإسلامية التي يقوم عليها نظام التكافل.

 وبالتالي، فإن تبني تكنولوجيا التأمين في قطاع التكافل ليس مجرد خيار تجاري إستراتيجي، بل هو تفعيل للمبادئ الأخلاقية للإسلام في العصر الرقمي، ووسيلة لتحقيق إمكانات التكافل الكاملة كنظام اجتماعي واقتصادي عادل.

إن الدعوة اليوم موجهة إلى رواد الأعمال، والمستثمرين، والمشرعين في العالم العربي والإسلامي لاغتنام هذه الفرصة الفريدة.

 ليس فقط لتحقيق عوائد مالية مجزية، بل لقيادة العالم في تطوير جيل جديد من الخدمات التأمينية التي تجمع بين قمة الابتكار التكنولوجي وعمق الالتزام الأخلاقي. من خلال بناء منظومات تأمين ذكية ومربحة وعادلة، يمكننا بناء مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا للجميع.

اقرأ ايضا:الخدمات المصرفية الرقمية: كيف تتفوق على البنوك التقليدية وتهيمن على المستقبل المالي؟

هل لديك استفسار أو رأي؟
يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال